معضلة اللجان الفنية في الاندية الرياضية
في منظومه كرة القدم لا يزال هناك لغز محيّر: لماذا يتم تهميش دور “اللجنة الفنية” أو تحويلها إلى مجرد هيئة شكلية؟ خاصة إن الكثير من الأندية الرياضية المختلفة تتعامل مع الدور الفني بسطحية وكأنه مهمة سهلة يمكن لأي إداري إنجازها.
اختلاف الأهداف: أزمة المدى القصير مقابل المدى الطويل
لفهم جذور المشكلة، نحتاج أن ندرك أن هناك تعارضًا جوهريًا في الأهداف الزمنية بين مجالس الإدارات المنتخبة واللجان الفنية. هذا التعارض هو السبب الرئيسي في الخلل الذي نراه اليوم.
غالبًا ما تكون مجالس الإدارات منتخبة لدورة زمنية محددة (أربع سنوات مثلًا). هدفها الأساسي هو تحقيق إنجازات تسجل باسمها وربما لتأمين فرص إعادة انتخابها. ان الضغط الجماهيري والإعلامي يدفعها في معظم الوقت للبحث عن “حلول سريعة”، مثل إقالة مدرب بعد خسارتين أو التعاقد مع نجم لامع لحصد بطولة فورية.
على النقيض تمامًا، فإن العمل الفني الحقيقي يتطلب نفسًا طويلاً. اللجنة الفنية تضع خططًا استراتيجية تمتد لسنوات، تهدف لبناء هوية فنية للفريق، بتطوير قطاع الفئات السنية، وتوحيد الفلسفة التدريبية وضمان استقرار الفرق في النادي. هذه المشاريع لا تؤتي ثمارها بين عشية وضحاها.
هذا التضارب يخلق خللاً إداريًا هاما. الإدارة تريد الفوز “الآن”، بينما اللجنة الفنية تبني للفوز “دائمًا”. عندما تتعارض النتائج الفورية مع الخطة طويلة الأمد، غالبًا ما تنتصر اهداف الإدارة قصيرة النظر. يتم التضحية بالمدرب الذي تم اختياره بعناية ليناسب الخطة، ويتم تجاهل توصيات اللجنة بالصبر، وتُستنزف الميزانيات في صفقات “ردة فعل” عشوائية.
الحل يكمن في إعادة ضبط العلاقة بين الطرفين وخلق ثقافة مؤسسية جديدة:
أولها ان تحرص الاندية الرياضية على التعاقد مع خبرات فنية ذات سمعة ممتازة ، توقيع عقود طويلة الأمد تمتد الى اكثر من فترة انتخابية ( بين 5/6 سنوات) ، ان تحرص الجمعية العمومية على أن يتم تقييم أداء مجالس الإدارات ليس فقط بناءً على عدد البطولات، بل أيضًا على مدى التزامها بالخطة الاستراتيجية التي وضعتها اللجنة الفنية ووافقت عليها الإدارة من خلال حوكمة فنية متفق عليها.
يجب أن تكون اللجنة الفنية هيئة مستقلة، لا تخضع لضغوط النتائج اليومية، وتُمنح صلاحية كاملة في قراراتها الفنية. و كذألك يجب على مجلس الإدارة واللجنة الفنية معًا شرح الرؤية طويلة الأمد للجماهير والإعلام لكسب دعمهم وصبرهم.
إن تهميش اللجنة الفنية يحرم النادي من مهام حيوية تتجاوز مجرد اختيار مدرب. دورها الحقيقي يشمل:
تكوين هوية فنية موحدة: من مستوى الأكاديمية حتى الفريق الأول.
بناء قاعدة مواهب: للإشراف على الناشئين وتصعيدهم.
إدارة التعاقدات بأسس علمية: بناءً على البيانات والتحليلية عند اختيار الأجهزة التدريبية واللاعبين.
التطوير المستمر للكوادر: لضمان مواكبة المدربين لأحدث الأساليب.
التحليل الفني المتقدم ودعم الأجهزة الفنية: هنا يكمن دور محوري للجنة؛ فهي تضم مختصين في تحليل الأداء الفني باستخدام أحدث التقنيات. يقوم هؤلاء المحللون بتقديم تقارير دورية عن أداء الفريق لتحديد نقاط القوة والضعف بموضوعية. والأهم من ذلك، أنهم يقومون بتحليل الفرق والمنتخبات المنافسة بشكل استباقي، وتزويد المدربين ببيانات تفصيلية عن أسلوب لعب الخصوم، وأبرز لاعبيهم، وتكتيكاتهم المتوقعة، مما يمنح الجهاز الفني ميزة استراتيجية كبيرة عند التحضير للمباريات.
من يستحق عضوية اللجنة الفنية؟
لتحقيق هذه المهام، يجب أن تتكون اللجنة من خبراء مميزين يجمعون بين الخبرة الميدانية والعلم الأكاديمي، مثل مدربين مخضرمين، ولاعبين دوليين سابقين حاصلين على شهادات تدريبية، وخبراء في تحليل الأداء، بالإضافة إلى مدير رياضي محترف يكون حلقة الوصل بين الجميع.
الخلاصة: فصل الصلاحيات
إن تفعيل دور اللجنة الفنية هو تطبيق لمبدأ “دع الخبز لخبازه”. يجب أن يتفرغ الإداري لعمله المكلف به بالبحث عن رعاة وتطوير المنشآت، ويترك الأمور الفنية لأهل الاختصاص. هذا لا يمنع النقاش والحوار، فمن حق المدرب والإداري مناقشة اللجنة، ولكن يجب أن تكون الكلمة النهائية مبنية على رؤية فنية متخصصة.
لقد حان الوقت لأن تدرك مؤسساتنا الرياضية أن البطولات تأتي وتذهب، لكن الهوية المستقرة والمشروع المستدام هو ما يصنع الأندية العظيمة. وهذا لن يتحقق إلا عندما يتم تقدير “العقل المدبر” ومنحه الثقة والصلاحيات التي يستحقها.
تحياتي
إبراهيم النعيم
@Iknaim
السعودية الاخبارية ، موقع إخباري شامل يهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري بما يليق بقواعد وقيم الأسرة السعودية، لذلك نقدم لكم مجموعة كبيرة من الأخبار المتنوعة داخل الأقسام التالية، الأخبار العالمية و المحلية، الاقتصاد، تكنولوجيا ، فن، أخبار الرياضة، منوعات و سياحة.
